وقد خفي علم ذلك عَلَى الخوارج والمعتزلة فخالفوا في ذلك وعلل المُصنِّف ذلك بأمرين:
الأول: جهلاً منهم بصحة الأحاديث، وهذا ينطبق عَلَى بعض من خالف في ذلك حتى بعض السلف من التابعين وغيرهم، قبل أن يتبين لهم وجه الصواب ووجه الحق.
والوجه الآخر: هو العناد والمكابرة، وقد دار النـزاع والنقاش بين المعتزلة وبين أهل السنة منذ القرن الثاني، وتكلم السلف في أمر الشَّفَاعَة ثُمَّ صنفوا فيما بعد مصنفات في إثبات ذلك والرد عليهم، فما بقي للمعتزلة ومن حذا حذوهم إلا العناد نسأل الله العفو والعافية.
فقالوا: هذا يخالف مقتضى العقل؛ لأن العقل يقتضي ويوجب معاقبة من فعل المعصية، كما يوجب أيضاً إثابة من فعل الطاعة، ومن المعلوم من عموم الآيات والأحاديث أن إدخال المؤمنين الجنة فضل من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فمعاملة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للمؤمنين معاملة الفضل ومعاملة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى للمجرمين وللعصاة هي معاملة العدل، وكرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ورحمته سبقت غضبه، كما ذُكِرَ ذلك في الحديث الصحيح.
فلهذا لا أحد يحجر عَلَى رحمته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أن يخرج العصاة الموحدين وأن يقبل فيهم شفاعة الشافعين، وأما أهل النَّار الذين هم أهلها، أي: الكفار والمُشْرِكُونَ، فهَؤُلاءِ دلت الآيات من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أنهم لا يخرجون منها أبداًويناسب هذا المقام أن نتعرض للحديث الذي ذكره المُصنِّف وهو قوله: {شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي}.